من برّه رخام، ومن جوّه سخام

لفت نظري مؤخراً تناول الأخبار المحليه بشكل كبير لمشروع تطوير مدينة عمّان، والذي يهدف لتغيير إضافي و جذري، بحيث تكثر المباني العاليه والشوارع الواسعه و و و... يا سلام يا سلام... طيب ليش لأ! أنا من مشجعين هذا التطوّر، لأنه يفتح أبواب الإستثمار ويزيد من خيارات العمل والترفيه...بل قد يزيدني سعاده، لأني بالرغم من حبي لعمّان، إلا أنني أجدها أكثر مدن العالم بهاتةً من ناحية الألوان والمنظر العام، الذي لا يتحسّن إلاّ بعد غروب الشمس وإنارة المصابيح، ليكون ذلك بديلاً عن عدم وجود أي لون أو مجرى ماء أو حتى مساحات خضراء! وإذا إستثنينا بعض المناطق القديمه مثل جبل عمّان، جبل اللويبده ووسط البلد( المناطق المفضله لدي)، نجد أنَ عمَان مدينه لا تحمل هويه أو طابع خاص، لذلك، فليكن هذا المشروع أملاً جديداً للتحسين، بس يا ريت هالمره من غير ما يطلع على رووسنا ويزيد الضرائب أكثر ونشحد بالشوارع علشان كمن عماره وشارع... عالعموم... السؤال هو: هل فعلاً وصل أهل عمّان إلى مرحلة تطوير أخلاقي يستحقون فيها كل هذا التطوير العمراني؟

فلنأخذ شوارع البلد مثلاً، فإذا كانت القياده هي أخلاق السائق! إذن ما هو رأيكم بأخلاق الشعب؟ إلى متى سوف يستمر هذا البطش والإجرام في قيادة السيارات؟ أي حتى لمّا أمشي على أقصى اليمين مش خالص! كل حدا مستعجل و بضويي عالي، والله إني بحس حالي في غابة حيوانات متوحشه لمّا أسوق، وقد تكون فعلاً كذلك، وإلاّ ما رأينا كل هذه الوفيات بسبب حوادث السير... يكفي سائقين الشاحنات والقلابات، فهم مجرمون حقيقيون، متواهمون بأنهم يقودون درجات هوائيه تسير بخف الريشه، ليلقوا بالحجاره والرمل وكل شيء على متن مراكبهم، دون الإكتراث لسرعتهم ولأرواح الآخرين. ويا سلام على الزباله، ولاّ قُمع السيجاره، اللي فجأه بتلاقيهم طاروا من شبابيك السيارات، وصاروا بنص خلقتك.

وعلى سيرة الزباله، هل تعلم أن عمّان تعتبر من المدن النظيفه على مستوى العالم؟ ولكن ليس لأن الشعب يحافظ على النظافه، وإنما لأنها تحوي أكبر عدد عمّال نظافه، كنسبه وتناسب! وما أكثر من يمشون في الشارع وهم يبسُقون ويمخطون كالبهائم! وكمان على سيرة السيجاره، فغالبية الشعب الأردني المدخن، وللأسف، لم يصل بعد إالى درجه من الإدراك لما يفعله من إيذاء الآخرين، فتجد الزائر في عقر بيتك يشعل سيجارته بكل ثقه، ليعطيك جرعه سرطانيه محترمه، تُضاف إلى جرعات حياتنا وأطعمتنا الملوثه والمسرطنه، أو تجد شخصاً في متجر أو شركه ينفخ دُخانه بوجهك وبكل وقاحه، حتى لو كانت إشارة ممنوع التدخين معلقه فوق رأسه.

وبما أننا نتحدث عن تطوّر عمراني، فما رأيكم بتطور مجتمعنا بالمقابل؟ للأسف، برأيي أن المجتمع الأردني أصبح مجتمع إستهلاكي بحت‘ فالفقير فيه لا يفكر إلاّ بعبىء الحياة الصعبه التي يمر بها‘ فهو يريد أن يدفع الفواتير، ويُطعم أولاده لقمة الخبز، ويا رب الستر. أمّا متوسط الحال، فهو يركض لاهثاً لتسديد فواتير ال"كردت كارد" والقروض البنكيه، وقد يلبس ثوب مش ثوبه ليُجاري الغني والمقتدر، الذي يفكر بما هو أهم من ذلك بكثير! فمن حين لآخر لا بد من موبايل جديد ومتطور أكثر من أجهزة الآخرين، ولا بدّ من أحدث موديلات السيارات علشان "العرط والخرط"، ولا بدّ من لبس كل ما هو ملفت وأنيق... كل همهم هو قشرتهم الخارجيه وتلميع الأحذيه، والنتيجه هي عقول فارغه لا تفقه شيء، إلاّ بمحيطهم المنغلق حول النفاق وأولويات سخيفه ... كل ذلك من أجل الماده والسيطره وحب الذات... أين هو العلم؟ أين هو الدين؟ أين هي المكاتب والكتب؟ للأسف قد يكون كل الحق مع غولدامائير عندما قالت: أنا لا أخاف من العرب، فإنهم لا يقرأوا، وإذا قرأوا لن يفهموا.

ويا سلام على خدمات ما بعد البيع، حتى في أكبر الشركات مكانةً، والغش والنفاق والسرقات، والإغتلاسات وغسيل الأموال، وهضم حقوق موظف القطاع الخاص، ومص دمّه إلى آخر رمق، وأذى الجار لجاره، والتحرشات والمعاكسات، وعمل كل ما يمكن عمله لإرضاء الشهوات الجنسيه الحيوانيه... وفقط في هذه اللحظة إكتشفت أن قائمة التخلّف في المجتمع الأردني طويله جداً، لا أستطيع سردها الآن، لكن أتمنى من كل شخص قرأ هذا الكلام، أن لا يهز رأسه ويقول: آه والله معاه حق! فلا بدّ أن تحدد موقعك من كل ما ذُكر، وأن تعمل جاهداً على إصلاح نفسك لتسمو إلى درجه جيده من الأخلاق ، حتى تستطيع على الأقل أن تُبرَر سبب وجودك في مدينه قد تكون متطوّره على المدى القريب. أما من يعتبرني سلبياَ بسبب ما كتبته، فليكن ذلك في حال كانت السلبيه هي سرد لوقائع نعيشها في كل ثانيه

كان والدي، رحمه الله، يقول لي دائماً: إبني بشر ولا تبني حجر! والله مش شايفلك إلا حجر مبني وتأخُر فكري وأخلاقي مش طبيعي، وهذا هو "السخام" بحد ذاته